كرد فعل على تطور أدوار النساء، أبدى الرجال حالة من المقاومة العنيفة في مواجهة هذا التطور، وهو ما يفسر تزايد حالات العنف المنزلي، والزواج المبكر، وختان الإناث، وجرائم الشرف"، وتراجع فرص النساء والفتيات في الغذاء والتعليم، وتزايد حالات الزواج القسري، حيث يتم دفع فتيات لا تتجاوز أعمارهن 13 سنة نحو الزواج، لتخفيف الضغوط الاقتصادية على أسرهن، وفي معظم الحالات تترك الفتيات المدرسة ويبقين في البيت، بسبب التوقعات الاجتماعية لأدوار الجنسين.
عنف متأصل:
تعتبر ثقافة العنف ضد الزوجات من قبل أزواجهن متأصلة في المجتمع اليمني منذ فترات طويلة، بالإضافة إلى أن الرجل يرى أن المرأة طفلة بحاجة إلى التأديب مهما كبرت، وفي حالات كثيرة يصل العنف الممارس ضد الزوجات إلى الموت، دون وجود أي جهة تقف في صف الزوجة.
كادت أن تفقد ملاك بعد تعرضها للضرب المبرح من قبل زوجها، قصة زواج ملاك التي لم تتجاوز عامها الخامس بعد، لم تخلُ يومًا من العنف، العنف الجسدي واللفظي، وحسب حديثها، فإنها طوال زواجهما، الذي تصفه بالمشؤوم، لا يمر يومٌ دون أن تتعرض للعنف من قبل زوجها.
في إطار مجتمع "ذكوري"، يرى أن مصدر قوته هو تعنيف المرأة أو ضربها، تقف ملاك عاجزة عن الرد أو الدفاع عن نفسها، وحسب حديثها فإنها لا تعلم إلى أين تلجأ، خاصة أن والديها متوفَّيان منذ فترة طويلة، فيما إخوانها لا يصدقون كلامها بأنها تتعرض للضرب والعنف من زوجها ,تقول الدموع تملأ وجهها "الأشقاء الذين أجبروا أختهم على الزواج قبل أعوام، لا يمكن أن يكونوا سندًا لها إن تعرضت لأي عنف أو ظلم في يوم ما".
ملاك كحال الكثيرات من النساء في اليمن، لم تلجأ إلى القضاء أو الأهل أو أي أحد؛ بسبب ثقافة العيب أو الخروج عن العادات والتقاليد، التي تكبل أيادي الكثيرات وتحولهن إلى سجينات مسلوبات من أبسط حقوقهن المنتزعة، تموت ملاك وغيرها في اليوم الواحد ألف مرة وهي عاجزة عن فعل أي شيء.
وبحسب تقرير لمنظمة "أوكسفام"، فإن حوالي 56% من الزوجات في اليمن يتعرضن للعنف الجسدي من قبل أزواجهن، ناهيك عن العنف النفسي واللفظي، والعنف الجنسي الممارس، الذي يعتبر نوعًا آخر من أنواع العنف النفسي، ويشكل ثقافة عامة في المجتمع اليمني، وينتشر في أوساط المجتمع بشكل كبير.
تنامي حالات العنف:
لا يقتصر العنف ضد المرأة في اليمن على الزوجات فقط، بل يطال كل فئات النساء في المجتمع، إذ تعتبر هذه الظاهرة منتشرة في مجتمع ذكوري من الطراز الأول ضحيته المرأة، يبدو على جسد الطفلة نور (16 سنة) احمرار وعلامات تعذيب جسدي واضحة، كأنها خرجت للتو من سجن، تتعرض رغد للتعنيف والضرب من قبل والدها بشكل عنيف وقاسٍ، وحسب حديثها، فإن والدها رجل قاسٍ ويصعب التفاهم معه، وهي مثل أخواتها البقية تتعرض للعنف منه، حتى وإن لم ترتكب أي خطأ.
العنف ضد المرأة ظاهرة موجودة منذ زمن طويل في المجتمع اليمني، لكنها تنامت وتزايدت هذه الظاهرة في سنوات الحرب الأخيرة بشكل ملحوظ، فقد تزايدت ضراوة العنف ضد النساء في اليمن خلال فترة الحرب التي تشهدها البلاد منذ العام 2015.
تأتي اليمن في المرتبة الأولى عربيًّا في زيادة حالات العنف الأسري إذ تعاني نحو 26% من الأسر في البلاد من العنف الخاص بالنوع الاجتماعي، 32% منها من طبقة ذوي الدخل أعلى من المتوسط، وحوالي 26% ضمن فئة الحاصلين على شهادات ثانوية عامة، و25% من الحاصلين على شهادات أكاديمية عليا، بينما تحتل اليمن المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين الذي وضعه المنتدى الاقتصادي العالمي للسنة الـ 13 على التوالي، ووفقًا لمنظمة العفو الدولية، فإن اليمن أسوأ البلدان في العالم للنساء.
ضحايا العنف:
مريم فتاة تبلغ من العمر( 27عامًا) تعرضت للعنف من قبل زوجها، مما اضطرت للهروب من قبضته من ريف تعز إلى المدينة تاركة 5 أطفال خلفها, تقول مريم لموقع الوعل اليمني أحد ضحايا العنف في اليمن" بعد الضرب والإهانة الذي يحصل لي كل يوم من زوجي هربتُ من المنطقة التي اسكن فيها من زوجي وأطفالي إلى المدينة".
لم تكن مريم تعلم ما يخبي لها القدر عندما قررت الهروب إلى أهلها ظنًا منها في النجاة من التعنيف التي كانت تتلقاه، لتجد نفسها بعد ذلك في قبضة قوات الأمن التي عثرت عليها في أحد شوارع المدينة تائهة حينما كانت تبحث عن أسرتها حتى ألقيت في السجن بتهمة أمن دولة، بينما تقول هي أنها بريئة.
تتابع ": "لما وصلت تعز مسكوني الأمن من الشارع وأخذوني إلى السجن، وجلسوا يحققوا معي يحسبوا أنني تابعة للحوثيين، كلمتهم أني أبحث عن أهلي في المدينة، الصدمة أنه لما اتصلوا لأهلي قالوا ما يعرفوني".
تتخلى بعض العائلات في المجتمع اليمني عن المرأة عندما ترتكب أي خطأ سواءً كان بقصد أو بغير قصد تحت مبرر العار والفضيحة، كمثل مريم التي هربت من بطش زوجها -كما تصف- لتستنجد بأهلها الذين تخلوا عنها حينما عرفوا أنها قد سجنت، تضيف مريم، "بقيتُ في السجن ثلاث سنوات، بسبب عدم حصولي على مكان إيواء بعد أن ثبتت براءتي، وعندما تم الإفراج عني لم يأتوا أهلي لاستقبالي".
الجدير ذكره أن مريم أصبحت تعيش في دار الإيواء مع عدد من النساء التي تخلت عنهن عائلاتهن والمفرجات عنهن من السجن، بعد قضاء محكومياتهن، لكنها ترى أن لأفرق بين دار الإيواء والسجن مهما اختلفت أركانه.
نتائج العنف:
تختلف القضايا والأسباب التي تعاني منها المرأة لكنها تتوحد النتائج عند العنف والإكراه الحاصل حتى أصبحَ خطرًا يؤرق الكثير من النساء سواء الشابات أو المتزوجات اللواتي ينتهي بهن المطاف على أبواب المحاكم.
تقول إسراء القاضي "مختصه نفسيه لموقع الوعل اليمني: أن الأثار النفسية والشعور بالدونية والشعور باللوم، دفعت الكثيرين إلى الطلاق والانفصال ناهيك عن التعنيف الذي يعتبر سبباً جوهرياً يدفع الزوجة إلى طلب الطلاق، كما أن هناك خطورات نفسية وجسدية تلحق بالمرأة عندما تتعرض للعنف، بحيث يصيبها اضطرابات نفسية عدة.
ويقول المحامي حميد صالح لموقع الوعل اليمني: "تزايدت عدد حالات الطلاق والخلع خلال فترة الحرب بشكل كبير حتى أنها وصلت نسبتها إلى الضعف مُقارنة بفترة ما قبل الحرب, وأضاف: "المحاكم تشهد ازدحاما شديدا وضغط عمل بالنسبة للقضايا المُتعلقة بإنهاء الحياة الزوجية، نتحدث عن أكثر من 30 قضية شهريًا لدى كل قاض وعدد القضاة يتجاوز الثلاثة في المحكمة.
وتفيد التقارير الصادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن نسبة النساء المعنفات في اليمن تزداد يوماً بعد آخر، حيث وصلت نسبة النساء اللاتي تعرضن للتعنيف منذ بداية الحرب إلى ما يقارب 63%، وأن هناك أكثر من 60 ألف امرأة يمنية عرضة لخطر العنف الجسدي والنفسي، وغيرها من أشكال العنف والتعنيف.
أضرار نفسية:
إلى جانب الأضرار الجسدية والجروح التي عادة لا تستمر أيامًا طويلة في جسد المرأة المعنفة، فإن هناك أضرارًا نفسية تصاحب المرأة على المدى الطويل، نتيجة ما تعرضت له من عنف، وقد يصل الحال بها إلى الإصابة بحالات الاكتئاب ونوبات الحزن والعزلة واضطرابات النوم، وفقدان الرغبة بالاستمرار في الحياة، بحسب حديث مرفت النابهي (أخصائية نفسية) لموقع الوعل اليمني: قد تتحول المرأة المعنفة إلى منتقمة، تمارس العنف على أي أحد من أسرتها، مثل ممارسات العنف ضد الزوج أو الأولاد، وهذه ردة فعل تحدث من قبل المرأة نتيجة ما تعرضت له.
موكدة" على ضرورة معالجة أي امرأة تعرضت للعنف في حال بدأت تظهر عليها أعراض غير طبيعية أو تصرفات غريبة، والجلوس مع أخصائي نفسي، ويتم تقييمها وتشخيصها بالشكل الصحيح، والقيام بالتدخل النفسي، وفقًا للحالة واحتياجاتها، فهي بهذه الحالة بحاجة ماسة إلى الدعم النفسي من قبل مختصين.
غياب القانون:
تفتقر المرأة اليمنية المعرضة للعنف الأسري إلى وجود قانون يحميها، إذ لا يوجد تشريع خاص لمكافحة العنف الأسري، حسب قول المحامي والخبير القانوني عبدالحكيم الدبعي لموقع الوعل اليمني، ويضيف : أن قانون الجرائم والعقوبات، شدد على احترام وحفظ كرامة المرأة من أي اعتداء، فيما يجب على الزوج لزوجته عدم الإضرار بها ماديًّا أو معنويًّا، والمقصود بالإضرار المادي الضرب المبرح، أما الإضرار المعنوي فهو السب والشتم ومناداتها بالألفاظ الجارحة، ويؤكد الدبعي أن هذا التشريع البسيط ليس كافيًا لمواجهة العنف الأسري وحماية المرأة من أي عنف قد تتعرض له، ويجب سن قوانين وتشريعات تضمن كرامة المرأة وحقها من أي اعتداء.
في 2014 تم تحضير مشروع قانون خاص بمناهضة العنف ضد النساء والفتيات من قبل اللجنة الوطنية للمرأة، مختصين قانونيين آخرين تحت إشراف وزارة حقوق الإنسان. وتم ورفعه إلى البرلمان، لكن توقف العمل فيه بسبب الحرب، وتضمّن القانون مجموعة من التشريعات التي تعاقب أي فعل أو جريمة قد تحصل ضد أي امرأة، منها حالات العنف الأسري والمجتمعي، والاغتصاب، وما يسمى بجرائم الشرف، وغيرها..