القوانين التمييزية في المنظومة القانونية اليمنية من أهم أسباب انتهاكات حقوق المرأة كون تلك القوانين المختلة تضع حماية لمنتهكي حقوق الإنسان وتشرعن انتهاكاتهم بغطاء قانوني واستمرار النصوص القانونية التمييزية دون تعديل تصنع ثقافة مجتمعية خاطئة ضد المرأة، وتبرر انتهاكات حقوقها مهما بذلت من جهود كبيرة للحد من انتهاكات حقوق الإنسان إذا لم يصاحبها تعديل جذري للمنظومة القانونية الوطنية ستضيع تلك الجهود ولن تتحقق خطوات مستدامة لاحترام حقوق الإنسان والحد من انتهاكها.
حق ضائع:
نظرا لطبيعة المجتمع اليمني المحافظ يتعامل الرجل مع المرأة كوصي، ومن المعروف أن غالبية النساء في اليمن لا يعملن في مهن أو وظائف توفر لهن أجرا شهريا لإعالة أنفسهن، وهو الأمر الذي يجعل الرجل متحكما بمصير المرأة، يعطيها متى شاء ويحرمها متى شاء، حتى الميراث المكفول في نصوص القانون تُحرم كثيرات من النساء منه إما بالتحايل أو الإكراه.
تقول أمينة البالغة من العمر 55 عامًا من ريف تعز لموقع الوعل اليمني: باع إخواني أرضية بقرابة ٤٠ مليون ريال، وكنت منتظره نصيبي بحكم إن هذا الورث الوحيد من أبي، لأتفاجأ بالمبلغ الذي تفضلوا به بخمسه عشر ألف ريال على الرغم أني كنت أم لأيتام ووضعي المادي صعب للغاية".
مرت أمنيه بفترة سيئة جداً فهي لم تكن تتوقع أن نصيبها من 40 مليون هو15 ألف فقط، وتضيف": كنت حاملة مسؤولية بيت، ومنتظرة وقت بيع الأرضية، وسعيدة أنني سأحصل على مبلغ مالي يساعدني على تحسين ظروفي المعيشية، لكن للأسف ظُلمت ومريت بأيام صعبة بسبب القهر والظلم الذي حصل لي.
تقول تيسير حامد " محامية لموقع الوعل اليمني: أن الموروث الثقافي والعادات القبلية المتخلفة، أسباب رئيسة لحرمان الإناث من الميراث، وتؤكد أن غالبية المناطق اليمنية تنظر للمرأة بدونية، وبالتالي "يرى الذكور أنه لا يجوز توريثها خاصة في العقارات بالرغم من إنصاف التشريعات اليمنية للمرأة في هذا الجانب، إلا أن الإشكالية تكمن في غياب التطبيق وتطويل أمد التقاضي في هذا النوع من القضايا الشخصية".
وتوافقها في ذلك المحامية نبيله الشرعبي، وهي ناشطة حقوقية يمنية، قائلة لموقع الوعل اليمني: إن "المجتمع اليمني غير منصف بشأن حقوق النساء".
وتؤكد "تعاملت مع قضايا كثيرة من هذا النوع، حكم القضاء في جميعها لصالح النساء، لكنها أخذت سنوات طويلة قبل البت بها. وتحدثت عن تعرض نساء للاعتداء الجسدي من أشقائهن “بسبب مطالبتهن بالميراث"، وتري "أن مقابلة هذا النوع من الدعاوى القضائية بالمماطلة، واحدة من أبرز الإشكاليات التي تجبر النساء على عدم اللجوء إلى القضاء.
نظرة قاصرة:
حقوق المرأة المتعلقة بالإرث من أبرز الظواهر التي دار حولها الكثير من الخلافات ووجهات النظر في مجتمعات دول العالم الثالث، واستطاعت تلافيها بحصول المرأة على كافة حقوقها الشرعية والقانونية، إلا أن الأعراف القبلية في عدة مناطق متعددة في اليمن مازالت تحرم الإناث من ميراث الوالدين ومن ميراث زوجها بعد وفاته..
إذ مازال العرف القبلي سائداً بديلاً للشريعة الإسلامية والقوانين التي تحدد حقوق إرث النساء، حيث توجد مناطق قبلية ترفض إعطاء المرأة حقها من الإرث، منها مناطق في محافظات ذمار والمحويت والضالع وصنعاء وغيرها، يحتكمون للأعراف القبلية وتقاليد توارثوها من أجدادهم وآبائهم في ظل وجود دولة دستورها ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر وحيد للتشريع..
جميلة "40 عانا عاماً من قرية "االرياشيه" تقول لموقع الوعل اليمني: " عندنا يقولون المرأة ناقصة عقل ودين وميراث وصوتها عوره ومطالبتها بنصيبها من أهلها قلة أدب، تتابع " وتستغرب من الذين يرددون بأنها ناقصة عقل ودين وميراث عن الرجل، مع أن الله سبحانه وتعالى يقول (للذكر مثل حظ الأنثيين) وهذا عدل الخالق سبحانه وليس نقصاناً. متسائلة. لماذا لا تعطي المرأة حقها إذاً؟، وتضيف "ما خلوش لنا حاجة. لا عقل ولا دين ولا ميراث"، متهمة العقال والمشايخ –ذي ما عندهمش كلمة حق– بأنهم سبب ضياع ميراث المرأة.
ويعتبر المواطن رعد مسمار50 عاماً، متزوج، أن الأسر وبعض القري و المشايخ والأعيان بحرمان الأناث الموتى من نصيبهن من الأرث وإعطاء الأحياء منهن نوعاً من الاحتيال على أمر المولى عز وجل، يدعون أنهم متدينون بهذا الخداع".
تقول المحامية " نبيله الشرعبي لموقع الوعل اليمني: "النظرة القاصرة للمرأة والسيطرة الذكورية مع الأعراف القبلية جعلت النساء في مناطق يمنية ريفية كثيرة يستسلمن، ويفضلن عدم المطالبة بحقوقهن، إضافة الى غياب دور الحكومة وسلطه الواقع حاليا التي تعطي سلطات للمشايخ والأعيان المتنفذين، للعبث ونهب الأرض والمواطنين باسم القانون، ولهذا تجمع النساء على عدم الشكوى للجهات الحكومية، لمعرفتهن المسبقة بأن القضاء حباله طويلة ولن ينصفهن.
ولا تخفي هدى، التي تبلغ الأربعين من العمر، شعورها بالحسرة بسبب استحواذ أشقائها على العائد المادي لأراض زراعية تركها والدها المتوفي منذ ثماني سنوات، تقول هدى لموقع الوعل اليمني:" إنها تتعرض للعنف اللفظي من أشقائها كلما طالبتهم بحقها من الميراث، وأضافت: بينما يستمتع أشقائي وأطفالهم بعائدات أرض والدي، لا أجد أنا غالبا قيمة العلاج إذا مرض أحد أطفالي.
الخلل في القضاء:
حميدة " من بلاد الروس تقول لموقع الوعل اليمني: والدي رحمه الله كان يميل لحب الأولاد اكثر من البنات، حيث قام وأعطى كل ميراثه للذكور وهذا مخالف للشرع والدستور والقانون، وبصوت شاحب أجهدته سنوات ظلم داخل المحاكم، تقول لموقع الوعل اليمني: القضاء غير نزيه في بلادنا والحاكم المتربع على كرسي العدالة، يقول: عندنا ما يورثوش للإناث.. فهم سبب الظلم والفساد.
ولا ينكر أشقاء حميدة حقها في إرث أبيها لكنهم يرفضون تقسيم التركة منذ خمسة عشر عاماً بعد وفاة والدهم وهن يطالبن بنصيبهن دون فائدة. وتزيد: يتم التحايل على ألإناث في بلادنا بحسب قوة المرأة وضعفها، فإن كانت قوية قادرة على المطالبة بحقها ستناله، أما إذا كانت ضعيفة فيؤخذ حقها، وتختتم قائلة لموقع الوعل اليمني: "القضاء هو سبب الفساد، وتحمِّل الدولة مسؤولية حرمان المرأة من إرث أبيها الذي يستولي عليه الذكور بسبب الفساد والرشاوى فيها، لتميع القضايا داخل المحاكم وأجهزة الدولة.
" وأكد القاضي هيثم احمد، وهو وكيل نيابة في العاصمة صنعاء، أن لا علاقة للقضاء بحرمان المرأة من الميراث، نافيا إمكانية أن يحرم القضاء امرأة من إرثها إن هي لجأت إليه. واعتبر أن المشكلة ليست في القضاء، بل في من يمنع المرأة من حقها بالميراث.
وقال: إن الجهل السائد في بعض المناطق اليمنية سبب رئيسي في حرمان المرأة من الميراث، فضلا عن ثقافة العيب في أن تقاضي المرأة أهلها"، ولفت إلى أن إطالة أمد التقاضي أمام المحاكم اليمنية يعود لأسباب كثيرة أهمها “تراكم القضايا، وقلة عدد القضاة، وعدم وجود الكادر الإداري الكافي".
واعتبرت أسماء محسن " أخصائية نفسيه واستشارية أن السبب يرجع إلى الجهل والأمية والفقر الذي يعد السبب الرئيسي، كون الفقراء يخافون من إعطاء المرأة نصيبها وفق الشرع والقانون، وأشارت في تصريح لموقع الوعل اليمني: إلى أن صمت الإناث وعدم المطالبة بحقهن يرجع إلى الأمية التي تجعل المرأة تفكر بأنها لو أخذت حقها تشتت أموال الأسرة، وأيضاَ خوفاً منها من العداوات والخلافات مع أهلها، لذا فهي ترضي بالقليل منهم.